فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا تجويز بعيد بل الظاهر أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه.
و{العلى} جمع العليا ووصف {السموات} بالعُلَى دليل على عظم قدرة من اخترعها إذ لا يمكن وجود مثلها في علوها من غيره تعالى، والظاهر رفع {الرحمن} على خبر مبتدأ محذوف تقديره هو {الرحمن}.
وقال ابن عطية: ويجوز أن يكون بدلًا من الضمير المستتر في {خلق} انتهى.
وأرى أن مثل هذا لا يجوز لأن البدل يحل محل المبدل منه، و{الرحمن} لا يمكن أن يحل محل الضمير لأن الضمير عائد على من الموصولة و{خلق} صلة، والرابط هو الضمير فلا يحل محله الظاهر لعدم الرابط.
وأجاز الزمخشري أن يكون رفع {الرحمن} على الابتداء قال يكون مبتدأ مشارًا بلامه إلى من خلق.
وروى جناح بن حبيش عن بعضهم أنه قرأ الرحمن بالكسر.
قال الزمخشري: صفة لمن خلق يعني لمن الموصولة ومذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص التي لا تتم إلاّ بصلاتها نحو من وما لا يجوز نعتها إلاّ الذي والتي فيجوز نعتهما، فعلى مذهبهم لا يجوز أن يكون {الرحمن} صفة لمن فالأحسن أن يكون {الرحمن} بدلًا من من، وقد جرى {الرحمن} في القرآن مجرى العلم في ولايته العوامل.
وعلى قراءة الجر يكون التقدير هو {على العرش استوى} وعلى قراءة الرفع إن كان بدلًا كما ذهب إليه ابن عطية فكذلك أو مبتدأ كما ذكره الزمخشري ففي موضع الخبر أو خبر مبتدأ كما هو الظاهر، فيكون {الرحمن} والجملة خبرين عن هو المضمر.
وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة في الأعراف.
وما روي عن ابن عباس من الوقف على قوله: {على العرش} ثم يقرأ {استوى له ما في السموات} على أن يكون فاعلًا لاستوى لا يصح إن شاء الله.
ولما ذكر تعالى أنه اخترع السموات والأرض وأنه استوى على العرش ذكر أنه تعالى {له} ملك جميع {ما} حوت {السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى} أي تحت الأرض السابعة قاله ابن عباس ومحمد بن كعب.
وعن السدّي: هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة.
وقيل: {ما تحت الثرى} ما هو في باطن الأرض فيكون ذلك توكيدًا لقوله: {وما في الأرض} إلاّ إن كان المراد بفي الأرض ما هو عليها فلا يكون توكيدًا.
وقيل: المعنى أن علمه تعالى محيط بجميع ذلك لأنه منشئه فعلى هذا يكون التقدير {له} علم {ما في السموات}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{طه} فخّمهما قالونُ وابنُ كثير وابنُ عامر وحفصٌ ويعقوبُ على الأصل، والطاءَ وحده أبو عمْرو وورْشٌ لاستعلائه وأمالَهما الباقون، وهو من الفواتح التي يُصدّر بها السورُ الكريمةُ وعليه جمهورُ المتْقنين. وقيل: معناه يا رجلُ وهو مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ومجاهدٍ وسعيدِ بنِ جُبير وقَتادةَ وعِكرِمةَ والكلبي، إلا أنه عند سعيدٍ على اللغة النبْطية وعند قتادة على السُّريانية وعند عكرمة على الحبشية وعند الكلبي على لغة عكّ، وقيل: عُكْل وهي لغة يمانيةٌ، قالوا: إن صح فلعل أصلَه يا هذا فتصرّفوا فيه بقلب الياء طاءً وحذفِ ذا من هذا، وما استُشهد به من قول الشاعر:
إن السَّفاهَةَ طاها في خلائِقِكُم ** لا قدّس الله أخلاقَ الملاعينِ

ليس بنص في ذلك لجواز كونِه قسمًا كما في حم لا يُنْصرون، وقد جوز أن يكون الأصلُ طَأْها بصيغة الأمر من الوطء فقُبلت الهمزةُ في يطأُ ألفًا لانفتاح ما قبلها كما في قول مَنْ قال: لا هَناك المرتُع، وها ضميرُ الأرض على أنه خطابٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرضَ بقدميه لمّا كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه مبالغةً في المجاهدة، ولكن يأباه كتابتُهما على صورة الحرف، كما تأبى التفسيرَ بيا رجلُ فإن الكتابةَ على صورة الحرف مع كون التلفظِ بخلافه من خصائص حروفِ المُعجم، وقرئ إما على أن أصلَه طَأْ فقلبت همزتُه هاءً كما في أمثال هَرَقتَ أو قلبت الهمزة في يطأ ألفًا كما مر، ثم بُني منه الأمر وألحق به هاءُ السكت وإما على أنه اكتُفي في التلفظ بشطْري الاسمين وأُقيما مُقامَهما في الدِلالة على المسمَّيين فكأنهما اسماهما الدالان عليها. وعلى هذا ينبغي أن يحمل قولُ من قال: أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبّر عنهما باسمهما وإلا فالشطران لم يذكرا من حيث إنهما مسمَّيان لاسمَيهما ليقعا معبَّرًا عنهما، بل من حيث إنهما جزءان لهما قد اكتُفيَ بذكرهما عن ذكرهما ولذلك وقع التلفظُ بأنفسهما لا باسميهما بأن يراد بضمير التثنية في الموضعين الشطران من حيث هما جزآنِ للاسمين، ويراد باسمهما الشطران من حيث هما قائمان مقامَ الاسمين فالمعنى اكتُفي في التلفظ بشطري الكلمتين أي الاسمين فعبّر عنهما أي عن الشطرين من حيث هما مسمَّيان بهما من حيث هما قائمان مقامَ الاسمين، وأما حملُه على معنى أنه اكتُفي في الكتابة بشطري الكلمتين يعني طا على تقديري كونِه أمرًا وكونِه حرفَ نداء، وها على تقديري كونِها كنايةً عن الأرض وكونِها حرفَ تنبيهٍ وعُدل عن ذينك الشطرين في التلفظ باسمهما تبيّن البُطلانُ كيف وطا وها على ما ذكر من التقادير ليسا باسمين للحرفين المذكورين، بل الأولُ أمرٌ أو حرفُ نداء والثاني ضميرُ الأرض أو حرفُ تنبيهٍ، على أن كتابةَ صورةِ الحرف والتلفظَ بغيره من خواصّ حروفِ المعجم كما مر، فالحق ما سلف من أنها من الفواتح إما مسرودةٌ على نمط التعديدِ بأحد الوجهين المذكورين في مطلع سورة البقرة فلا محلَّ لها من الإعراب وكذا ما بعدها من قوله تعالى: {مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان لتشقى} فإنه استئنافٌ مَسوقٌ لتسليته عليه الصلاة والسلام عما كان يعتريه من جهة المشركين من التعب، فإن الشقاءَ شائعٌ في ذلك المعنى ومنه أشقى من رائض مُهْرٍ أي ما أنزلناه عليك لتتعبَ بالمبالغة في مكابدة الشدائد في مقاولة العُتاةِ ومحاورة الطغاةِ وفرْطِ التأسّف على كفرهم به والتحسرّ على أن يؤمنوا كقوله عز وجل: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ على ءاثارهم} الآية، بل للتبليغ والتذكير وقد فعلتَ فلا عليك إن لم يؤمنوا به بعد ذلك، أو لصرفه عليه الصلاة والسلام عما كان عليه من المبالغة في المجاهدة في العبادة، كما يروى أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم بالليل حتى ترم قدماه، فقال له جبريلُ عليه السلام: أَبْقِ على نفسك فإن لها عليك حقًا، أي ما أنزلناه عليك لتتعب بنهك نفسِك وحملِها على الرياضات الشاقةِ والشدائدِ الفادحة وما بُعثت إلا بالحنيفية السمحة، وقيل: إن أبا جهل والنضْرَ بنَ الحارث قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك شقيٌّ حيث تركت دينَ آبائِك وإن القرآنَ نزل عليك لتشقى به، فرُدّ ذلك بأنا ما أنزلناه عليك لِما قالوا، والأولُ هو الأنسبُ كما يشهد به الاستثناء الآتي.
هذا، وإما اسمٌ للقرآن محلُّه الرفعُ على أنه مبتدأٌ وما بعده خبرُه، والقرآنُ ظاهرٌ أوقع موقعَ العائد إلى المبتدأ كأنه قيل: القرآنُ ما أنزلناه عليك لتشقى، أو النصبُ على إضمار فعلِ القسم أو الجرُّ بتقدير حرفِه وما بعده جوابُه، وعلى هذين الوجهين يجوز أن يكون اسمًا للسورة أيضًا بخلاف الوجهِ الأول فإنه لا يتسنى على ذلك التقدير لكن لا لأن المبتدأ يبقى حينئذ بلا عائد ولا قائم مَقامَه، فإن القرآنَ صادقٌ على الصورة لا محالة إما بطريق الاتحاد بأن يراد به القدْرُ المشترَكُ بين الكل والبعض، أو باعتبار الاندراجِ إن أريد به الكلُّ، بل لأن نفيَ كونِ إنزالِه للشقاء يستدعي سبقَ وقوعِه الشقاء مترتبًا على إنزاله قطعًا إما بحسب الحقيقة كما لو أريد به معنى التعب أو بجسب زعْم الكفرةِ كما لو أريد به ضدُّ السعادة، ولا ريب في أن ذلك إنما يُتصور في إنزال ما أُنزل من قبل، وأما إنزالُ السورةِ الكريمة فليس مما يمكن ترتبُ الشقاءِ السابق عليه حتى يُتصدّى لنفيه عنه. أما باعتبار الاتحادِ فظاهرٌ وأما باعتبار الأندارجِ فلأن مآلَه أن يقال: هذه السورةُ ما أنزلنا القرآنَ المشتمِلَ عليها لتشقى، ولا يخفى أن جعْلَها مُخبَرًا عنها مع أنه لا دخلَ لإنزالها في الشقاء السابق أصلًا مما لا يليق بشأن التنزيلِ الجليل وقوله تعالى: {إِلاَّ تَذْكِرَةً} نُصب على أنه مفعولٌ له لأنزلنا لكن لا من حيث أنه معللٌ بالشقاء على معنى ما أنزلنا عليك القرآنَ لتتعب بتبليغه إلا تذكرةً.. الآية، كقولك: ما ضربتُك للتأديب إلا إشفاقًا لما أنه يجب في أمثاله أن يكون بين العلتين ملابسةٌ بالسببية والمسبَّبية حتمًا كما في المثال المذكور، وفي قولك: ما شافهتُك بالسوء لتتأذّى إلا زجرًا لغيرك فإن التأديبَ في الأول مسبَّبٌ عن الإشفاق والتأذّي في الثاني سببٌ لزجر الغير، وقد عرفت ما بين الشقاءِ والتذكرةِ من التنافي ولا يُجدي أن يراد به التعبُ في الجملة المجامِعُ للتذكرة لظهور أن لا ملابسةَ بينهما بما ذكر من السببية والمسببية وإنما يتصور ذلك أن لو قيل مكانَ إلا تذكرةً: إلا تكثيرًا لثوابك فإن الأجر بقدر التعب، ولا من حيث أنه بدلٌ من محل لتشقى كما في قوله تعالى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} لوجوب المجانسةِ بين البدلين وقد عرفتَ حالَهما، بل من حيث إنه معطوفٌ عليه بحسب المعنى بعد نفيه بطريق الاستدراكِ المستفادِ من الاستثناء المنقطعِ، كأنه قيل: ما أنزلنا عليك القرآنَ لتتعب في تبليغه ولكن تذكرةً {لّمَن يخشى} وقد جرد التذكرة عن اللام لكونها فعلًا لفاعل الفعل المعلّل، أي لمن شأنُه أن يخشى الله عز وعلا ويتأثرَ بالإنذار لرقة قلبه ولينِ عَريكتِه أو لمن علم الله تعالى أنه يخشى بالتخويف، وتخصيصُها بهم مع عموم التذكرة والتبليغ لأنهم المنتفعون بها.
وقوله تعالى: {تَنْزِيلًا} مصدرٌ مؤكدٌ لمضمر مستأنفٌ مقرّر لما قبله، أي نُزّل تنزيلًا أو لما تفيده الجملةُ الاستثنائيةُ فإنها متضمِّنةٌ لأن يقال: أنزلناه للتذكرة والأولُ هو الأنسبُ بما بعده من الالتفات أو منصوبٌ على المدح والاختصاص، وقيل: هو منصوبٌ بيخشى على المفعولية أي يخشى تنزيلًا من الله تعالى، وأنت خبير بأن تعليقَ الخشيةِ والخوفِ ونظائرِهما بمطلق التنزيلِ غيرُ معهودٍ، نعم قد يعلق ذلك ببعض أجزائه المشتملة على الوعيد ونظائرِه كما في قوله تعالى: {يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} وقيل: هو بدلٌ من تذكرةً لكن لا على أنه مفعولٌ له لأنزلنا إذ لا يعلل الشيءُ بنفسه ولا بنوعه، بل على أنه مصدرٌ بمعنى الفاعل واقعٌ موقعَ الحال من الكاف في عليك أو من القرآن، ولا مساغَ له إلا بأن يكون قيدًا لأنزلنا بعد تقيّده بالقيد الأول وقد عرفت حاله فيما سلف، وقرئ تنزيلٌ على أنه خبر لمبتدأ محذوف ومِنْ في قوله تعالى: {مّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات العلى} متعلقةٌ بتنزيلًا أو بمضمر هو صفةٌ له مؤكدةٌ لما في تنكيره من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، ونسبةُ التنزيلِ إلى الموصول بطريق الالتفات إلى الغَيبة بعد نسبته إلى نون العظمة لبيان فخامتِه تعالى بحسب الصفات والأفعال إثرَ بيانها بحسب الذات بطريق الإبهامِ، ثم التفسيرِ لزيادة تحقيق وتقريرٍ، وتخصيصُ خلقِهما بالذكر مع أن المراد خلقُهما بجميع ما يتعلق بهما كما يفصح عنه قوله تعالى: {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} الآية، لأصالتهما واستتباعِهما لما عداهما، وتقديمُ الأرض لكونه أقربَ إلى الحس وأظهرَ عنده، ووصفُ السمواتِ بالعُلا وهو جمعُ العليا تأنيثُ الأعلى لتأكيد الفخامةِ مع ما فيه من مراعاة الفواصل، وكل ذلك إلى قوله تعالى: {لَهُ الأسماء الحسنى} مَسوقٌ لتعظيم شأنِ المنزِّل عز وجل المستتبعِ لتعظيم شأنِ المنزَّل الداعي إلى تربية المهابةِ، وإدخالِ الروعةِ المؤديةِ إلى استنزال المتمرّدين عن رتبة العتوِّ والطُّغيان واستمالِتهم نحو الخشية المُفْضِية إلى التذكرة والإيمان.
{الرحمن} رُفع على المدح أي هو الرحمن وقد عرفت في صدر سورةِ البقرة أن المرفوعَ مدحًا في حكم الصفةِ الجاريةِ على ما قبله وإن لم يكن تابعًا له في الإعراب، ولذلك التزموا حذفَ المبتدأ ليكون في صورة متعلّق من متعلقاته وقد قرئ بالجر على أنه صفةٌ صريحةٌ للموصول، وما قيل من أن الأسماءَ الناقصةَ لا يوصف منها إلا الذي وحده مذهب الكوفيين، وأيًا ما كان فوصفُه بالرحمانية إثرَ وصفِه بخالقية السموات والأرض للإشعار بأن خلقَهما من آثار رحمته تعالى كما أن قوله تعالى: {رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا الرحمن} للإيذان بأن ربوبيتَه تعالى بطريق الرحمةِ، وفيه إشارةٌ إلى أن تنزيلَ القرآنِ أيضًا من أحكام رحمتِه تعالى كما ينبّىء عنه قوله تعالى: {الرحمن عَلَّمَ القرءان} أو رفع على الابتداء واللامُ للعهد والإشارةِ إلى الموصول، والخبرُ قوله تعالى: {عَلَى العرش استوى} وجعلُ الرحمة عنوانَ الموضوع الذي شأنُه أن يكون معلومَ الثُبوت للموضوع عند المخاطَب للإيذان بأن ذلك أمرٌ بيّن لا سُتْرَةَ به غنيٌّ عن الإخبار به صريحًا، وعلى متعلقةٌ باستوى قدِّمت عليه لمراعاة الفواصِل، والجارُّ والمجرور على الأول خبرُ مبتدأ محذوفٍ كما في قراءة الجرِّ وقد جُوِّز أن يكون خبرًا بعد خبر، والاستواءُ على العرش مجازٌ عن المُلك والسلطان ومتفرِّعٌ على الكناية فيمن يجوّز عليه القعودَ على السرير، يقال: استوى فلانٌ على سرير الملك يراد به مَلَك وإن لم يقعُدْ على السرير أصلًا، والمرادُ بيانُ تعلقِ إرادتِه الشريفة بإيجاد الكائنات وتدبيرِ أمرها.
وقوله تعالى: {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض}.
سواء كان ذلك بالجزئية منهما أو بالحلولِ فيهما {وَمَا بَيْنَهُمَا} من الموجودات الكائنة في الجو دائمًا كالهواء والسحاب أو أكثريًا كالطير، أي له وحده دون غيرِه لا شِرْكةً ولا استقلالًا كلُّ ما ذكر مُلكًا وتصرفًا وإحياءً وإماتةً وإيجادًا وإعدامًا {وَمَا تَحْتَ الثرى} أي ما وراءَ التراب، وذكرُه مع دخوله تحت ما في الأرض لزيادة التقريرِ، روي عن محمد بن كعب أنه ما تحت الأرضينَ السبعِ، وعن السدّي أن الثرى هو الصخرةُ التي عليها الأرضُ السابعة. اهـ.

.قال الألوسي:

{بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم طه}.
فخمها على الأصل ابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب وهو إحدى الروايتين عن قالون وورش.
والرواية الأخرى أنهما فخما الطاء وأمالا الهاء وهو المروى عن أبي عمرو وأمال الحرفين حمزة والكسائي وأبو بكر؛ ولعل إمالة الطاء مع أنها من حروف الاستعلاء والاستعلاء يمنع الأمالة لأنها تسفل لقصد التجانس وهي من الفواتح التي تصدر بها السور الكريمة على إحدى الروايتين عن مجاهد بل قيل: هي كذلك عند جمهور المتقنين، وقال السدى: المعنى يا فلان، وعن ابن عباس في رواية جماعة عنه والحسن وابن جبير وعطاء وعكرمة وهي الرواية الأخرى عن مجاهد أن المعنى يا رجل، واختلفوا فقيل: هو كذلك بالنبطية.
وقيل: بالحبشية، وقيل: بالعبرانية، وقيل بالسريانية.
وقيل: بلغة عكل، وقيل: بلغة عك.
وروي ذلك عن الكلبي قال: لو قلت في عك: يا رجل لم يجب حتى تقول: طاها وأنشد الطبري في ذلك قول متمم بن نويرة:
دعوت بطاها في القتال فلم يجب ** فخفت عليه أن يكون موائلًا

وقول الآخر:
إن السفاهة طاها من خلائقكم ** لا بارك الله في القوم الملاعين

وقال ابن الأنباري: إن لغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا لأن الله تعالى لم يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان غير لسان قريش، ولا يخفى أن مسئلة وقوع شيء بغير لغة قريش من لغات العرب في القرآن خلافية، وقد بسط الكلام عليها في الإتقان، والحق الوقوع وتخرص الزمخشري على عك فقال: لعل عكا تصرفوا في يا هذا كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء فقالوا: في ياطا واختصروا هذا واقتصروا على هذا.
وتعقبه أبو حيان بأنه لا يوجد في لسان العرب قلب يا التي للنداء طاء وكذلك حذف اسم الإشارة في النداء وإقرارها التي للتنبيه ولم يقل ذلك نحوى.